للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يثبت نسخهما، وأما إذا عارضته آية أو حديث فلا يلتفت إلا ما أجمع عليه الصحابة أو ذهب إليه أكثرهم إن قدر وقوع ذلك.

وجملة الكلام أن المقصود اتباع الحق ولزومه كما قال ملا سعد الرومي في (المجالس) لا اتباع الكثير أو القليل، وإنما أمرنا باتباع الكثير من الصحابة فيما اختلفوا فيه لأن ذهاب أكثرهم إلى أمر جعل أمارة وعلامة على كونه حقاً، إذ هم خير الأمة وأمنة لها، قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". أي من البدع والحوادث وذهاب الخير ومجيء الشر، وهم كانوا لا يبتدعون من عند أنفسهم شيئاً، ويأخذون في كل أمر بسنته صلى الله عليه وسلم، ويتقدون بأمره، والعمل بمقتضى الأمارة إنما هو إذا لم يوجد نص صريح، وأما وقت وجدان النص الصريح الصحيح المعارض لمقتضى الأمارة فلا يعمل بمقتضى الأمارة، بل العمل بالنص حينئذ متعين متحتم، فإنه حق صريح، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وماذا بعد الحق إلا الضلال.

ولعلك تفطنت من هنا أن الإحداث في أمر الدين، كما أنه لا يجوز لنا كذلك هو غير جائز للصحابة رضي الله عنهم أيضاً، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". ولا تحسبن أن محدثات الصحابة إن قدر وقوعها داخلة في السنة خارجة عن حد البدعة، كيف وقد ورد في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا فرطكم عن الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم ليختلجن دوني فأقول: يارب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". وفي رواية أبي سعيد الخدري عند البخاري "فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي".

فلا غرو إن صدر أحياناً من بعض أفراد الصحابة شيء من الحدث أو غيره من المعاصي، فإنا معاشر أهل السنة والجماعة لا نقول بعصمة أحد غير الأنبياء عليهم السلام كائناً من كان، ولكنا نعلم قطعاً أن معظم الصحابة وعامتهم وأكثرهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويأخذون بسنته صلى الله عليه وسلم ويتقدون بأمره، وينكرون شديد الإنكار على من أحدث في الدين، أو فعل فعلاً لم يفعله سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ في الفتح: وحاصل ما حمل عليه حال المذكورين أنهم كانوا ممن ارتد

<<  <   >  >>