للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببيان موضوع دعاء غير الله تعالى بيانًا شافيًا نكاد أن نقول بدون مبالغة: إنه لم يعتن بأي موضوع آخر مثل ما اعتنى بهذا الموضوع.

وهذا البيان المتناهي والاعتناء البالغ يمكن تصويره، وتصوير سببه بالأوجه التالية:

١ - إن هذه المسألة (١): "هي أعظم مسألة خالف رسول الله فيها المشركين، فإنهم كانوا يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله تعالى وعبادته" يريدون بذلك شفاعتهم ووساطتهم، كما قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨]، فأتى رسول الله بهدم هذه العقيدة والأمر بإخلاص الدعاء الله وحده.

فالشرك في الألوهية هو السبب الرئيسي في الخلاف بين الرسول وبين المشركين، وأما الخلاف في الربوبية وفي الإلحاد في الأسماء والصفات فنادر، فلم يكن الخلاف فيهما يقرب من الخلاف في توحيد العبادة، ثم إن الشرك في دعاء المسألة أكثر من الشرك في غيره من أنواع العبادات، ويوضح هذا الوجه التالي:

٢ - إن أغلب شرك الأوائل الذين أرسل إليهم الرسول كان في الدعاء، فالشرك في الدعاء هو الأكثر انتشارًا ووقوعًا بينهم من أنواع الشرك الأخرى كالنذر والذبح والطواف والسجود من أنواع الشرك في الألوهية والعبادة، وذلك لأن هذه الأمور لا يمكن وقوعها كل وقت وزمان ولا في كل مكان، كما أن الحاجة إليها أقل من الحاجة إلى الدعاء.

إذ الافتقار والاحتياج من لوازم الإنسان، ومن هنا كان دعاء الصالحين والاستغاثة بهم هو الأكثر وقوعًا وانتشارًا لأن الإنسان المشرك


(١) مسائل الجاهلية ص: ٤ - ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>