للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان أصحّ القولين١: أن جنة آدم جنّة التكليف، لم تكن في


١ هذه المسألة خلافية بين العلماء: فمنهم من قال: هي جنة الخلد التي في السماء، وأُهبط منها آدم عليه السلام. ومنهم من قال: هي جنة في الأرض. ومنهم من توقف في هذه المسألة، فلم يرجح أحد القولين على الآخر.
وقد ذكر الخلاف في هذه المسألة الحافظ ابن كثير رحمه الله، وأطال النفس في ذلك؛ ذاكراً أقوال العلماء، ومما قاله رحمه الله: "الجمهور على أنها هي التي في السماء، وهي جنة المأوى لظاهر الآيات والأحاديث. وقال آخرون: بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد؛ لأنه كلّف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها، وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها. وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى. وهذا القول محكي عن أبيّ بن كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في المعارف، والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره، وأفرد له مصنّفاً على حدة، وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله، ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ابن خطيب الريّ في تفسيره عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني، ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية. وهذا القول هو نصّ التوراة التي بأيدي أهل الكتاب. وممن حكى الخلاف في هذه المسألة: أبو محمد بن حزم في الملل والنحل، وأبو محمد بن عطية في تفسيره، وأبو عيسى الرماني في تفسيره وحكى عن الجمهور الأول، وأبو القاسم الراغب، والقاضي الماوردي في تفسيره؛ فقال: واختلف في الجنة التي أُسكنها يعني آدم وحواء على قولين: أحدهما: أنها جنة الخلد، والثاني: جنة أعدها الله لهما، وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء. ومَنْ قال بهذا اختلفوا على قولين؛ أحدهما: أنها في السماء؛ لأنّه أهبطهما منها. وهذا قول الحسن. والثاني: أنها في الأرض؛ لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار. وهكذا قول ابن يحيى، وكان ذلك بعد أن أمر إبليس. هذا كلامه.
فقد تضمّن كلامه حكاية أقوال ثلاثة، وأشهر كلامه أنه متوقف في المسألة. ولقد حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسالة أربعة أقوال؛ هذه الثلاثة التي أوردها الماوردي، ورابعها التوقف. وحكى القول بأنها في السماء، وليست جنة المأوى عن أبي علي الجبائي.....
قالوا: وليس هذا القول مفرعاً على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم، ولا تلازم بينهما. فكلّ من حكي عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف ممن يُثبت وجود الجنة والنار اليوم كما دلّت عليه الآيات والأحاديث الصحاح". البداية والنهاية ١٦٩-٧١. وانظر تفسير ابن كثير ١٨١.
ومن أكثر من بحث هذه المسألة وأطال فيها: الحافظ ابن القيم رحمه الله؛ فقد قام رحمه الله باستقصاء أدلة كل قوم بالتفصيل، ولم يرجح رحمه الله قولاً على قول، بل توقّف في المسألة لتعارض الأدلة، ولقوة ووجاهة كلّ قول.
انظر: مفتاح دار السعادة ١١٦-٤٤. وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص ٥٢-٧٥.
وانظر القرطبي في تفسيره؛ فقد رجح أنها جنة الخلد ١٢٠٧-٢٠٨.
وممن ذكر أقوال العلماء في هذه المسألة بالتفصيل: الآلوسي في روح المعاني ١٢٣٣. والقاسمي في تفسيره ٢١١١-١١٢. ومحمد رشيد رضا في تفسيره تفسير القرآن الحكيم ١٢٧٦-٢٧٧؛ وذكر في هذه المسألة ثلاثة أقوال، ورجّح أنها في الأرض. والماوردي في أعلام النبوة ص ٧٨-٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>