مِنْ سَبَبِهِ كَوَصْفِهِ وَهُوَ الْمَنْفِيُّ فِي الْبَاطِنِ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَنْ يُنْفَى الشَّيْءُ مُقَيَّدًا وَالْمُرَادُ نَفْيُهُ مُطْلَقًا مُبَالَغَةً فِي النَّفْيِ وَتَأْكِيدًا لَهُ وَمِنْهُ: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} فَإِنَّ "الْإِلَهَ مَعَ اللَّهِ"لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} فَإِنَّ قَتْلَهُمْ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَيْرِ حَقٍّ {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} فَإِنَّهَا لَا عَمَدَ لَهَا أَصْلًا
الثَّالِثُ: قَدْ يُنْفَى الشَّيْءُ رَأْسًا لِعَدَمِ كَمَالِ وَصْفِهِ أَوِ انْتِفَاءِ ثَمَرَتِهِ كَقَوْلِهِ فِي صِفَةِ أَهْلِ النَّارِ: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} فَنَفَى عَنْهُ الْمَوْتَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْتٍ صَرِيحٍ وَنَفَى عَنْهُ الْحَيَاةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيَاةٍ طَيِّبَةٍ وَلَا نَافِعَةٍ {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ احْتَجُّوا بِهَا عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّ النَّظَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِبْصَارَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ بِإِقْبَالِهَا عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ تُبْصِرُ شَيْئًا {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فَإِنَّهُ وَصَفَهُمْ أَوَّلًا بِالْعِلْمِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ الْقَسَمِي ثُمَّ نَفَاهُ آخِرًا عَنْهُمْ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلَى مُوجَبِ الْعِلْمِ قَالَهُ السَّكَّاكِيُّ.
الرَّابِعُ: قَالُوا: الْمَجَازُ يَصِحُّ نَفْيُهُ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ وَأُشْكِلَ عَلَى ذَلِكَ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} فإن المنفي فيه هو الْحَقِيقَةُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّمْيِ هُنَا الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ وَهُوَ وُصُولُهُ إِلَى الْكَفَّارِ فَالْوَارِدُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute