للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على شُكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له. وشرع لهم في ذلك العيد الصَّلاةَ والصَّدَقة. وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أَجْرَ صيامهم، ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.

والعيدُ الثاني: عيدُ النَّحْر، وهو أكبَرُ العيدين وأفضلُهما، وهو مترتب على إكمال الحجِّ، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومَبَانيه، فإذا أكمَلَ المسلمون حجَّهم غُفِر لهم. وإنما يكمُلُ الحجُّ بيوم عرفة والوقوف فيه بعرفة؛ فإنَّه ركنُ الحجِّ الأعظم، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحجُّ عرفة". ويوم عرفة هو يومُ العِتْق من النار، فيعتِقُ الله فيه من النار مَن وقَفَ بعرَفَةَ ومَن لم يقفْ بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليومُ الذي يليه عيدًا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم؛ مَن شهِدَ المَوْسمَ منهم ومَن لم يشهدْه؛ لاشتراكهم في العِتق والمغفرة يومَ عَرَفَةَ. وإنما لم يشترك المسلمون كلُّهم في الحجِّ كُلِّ عامٍ رحمةً من الله وتخفيفًا على عباده، فإنَّه جعل الحجِّ فريضةَ العمر لا فريضة كُلِّ عامٍ، وإنما هو في كل عام فرضُ كفايةٍ، بخلاف الصيام؛ فإنَّه فريضةُ كُلِّ عامٍ على كُلِّ مسلم. فإذا كَمَلَ يومُ عرفة، وأعتَقَ الله عبادَه المؤمنين من النار، اشترك المسلمون كلُّهم في العيد عقب (١) ذلك. وشُرع للجميع التقرُّبُ إليه بالنُّسُكِ، وهو إراقة دِماء القرابين.

فأهلُ الموسم يرمون الجمرة، فيشرعون في التحلُّل من إحرامهم بالحجِّ، ويقضون تفثَهُم (٢)، ويوفون نذورهم، ويقرِّبون قرابينهم من الهدايا، ثم يطوفون بالبيت العتيق. وأهلُ الأمصار يجتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له. قال مخنفُ بن سليم (٣)، وهو معدود من الصحابة: الخروجُ يومَ الفطر يعدِلُ عمرةً، والخروج يوم الأضحى يعدِلُ حجةً. ثم ينسكون عقيب ذلك نُسُكهم، ويقرِّبُون قرابينَهم بإراقة دماءِ ضحاياهم؛ فيكون ذلك شكرًا منهم لهذه النعم. والصلاة والنَّحْر الذي يجتمع في عيد


(١) في آ، ش، ع: "عقيب".
(٢) التَّفَث في المناسك: ما كان من نحو قص الأظفار والشارب وحَلْق الرأس والعانة ورمي الجمار ونَحْر البُدْن وأشباه ذلك.
(٣) هو مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف الأزدي الغامدي، له صحبة، وحديثه في كتب السنن الأربعة. وقد سبقت ترجمته.

<<  <   >  >>