هذا مَلْمحٌ من ملامح اليسر والتيسير الذي بنيت عليه شريعة الإسلام الغراء، حيث إنَّ الجنبَ يكفيه هذا الغسل اليسير البسيط ليكون طاهرًا متطهرًا سليم البدن.
قوله:(مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ الأُخَرِ).
(وَهُوَ أَقْوَى فِي إِسْقَاطِ التَّدَلُّكِ)، وفي هذا إيماءٌ إلى الرد على المالكية الذين ينتسب إلى مذهبهم، وهذا شأن كل طَالِبِ عِلْم، أو هكذا يجب أن يكون طالب العلم حيث لم يمنع الإمام كونه مالكيًّا من الرد عليهم متى ظهر الحق أو صح الدليل واستقام الاستدلال كما حَصل من الإمام الجليل وهو من المالكية هنا، ومن قبل ما حَصَل من الإمام المزني، وَهُوَ من أكَابر الشافعيَّة، بل من خواص تلاميذ الإمام الشافعي الذي خرج على مذهبه، ولا ضره ذلك، وَتَجد أن الشَّافعيَّة أنفسهم عندما يذكرون مذهبهم، يَذْكرون أنَّ المزنيَّ خَالَفهم، ويذكرون ذلك عنه، ولا يَلُومونه بشيءٍ؛ لأن هذه هي حرية القَول المبنيَّة على الأدلة لا على الهوى، ولا على التَّعصُّب، ولا على التشهِّي، ولا على الجهل، والمصيبة الأعظم أنَّنا نجد - مثلًا - بعض المسلمين يُقلَّد بعض الأئمة في الفروع، ويتعصَّب، وربما قدَّم أقوالَهم على قَوْل الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، ولكنَّك إذا نَاقَشته في أمرٍ من أمر العقيدة الَّتي هي أصل هذا الدين وقطبه، تجد أنَّه يخالف رأي إمامه، وكيف تتابعه في الفروع - وربما يكون رأيه ضعيفًا في المسألة ومع ذلك تتعصب وتتشبث بقوله، وتحاول أن تأتي بوسائلَ وحِيَلٍ لتبحثَ عن أدلةٍ وشواهدَ ومقويات لتدعم قوله - وتخالفه في الأصول في رأيٍ له واضح جلي لا إشكال فيه، بل لا يتطرق إليه شك.