للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-عليه الصلاة والسلام- إنَّما مسح على الخفين في الحضر كما فعل ذلك في السفر، وكون أحاديث السفر أكثر لشدة الحاجة إلى ذلك، ولذلك نحن لا ننكر أنَّ المقصود من المسح إنما هو التيسير فهذا أمرٌ مُسَلَّم به، وهو رخصة، والله تعالى يحبُّ أن تؤتى رخصُه كما يكره أن تؤتى معاصيه (١)، ولذلك عندما أراد المغيرةُ أن ينزع خُفَّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "دعهما، بهذا أمرني ربي" فمسح عليهما (٢).

إذًا بهذا يتبين أن المسح على الخفين ثابت.

أمَّا تعليل: أنَّ المسح إنما هو في السفر خاصّة؛ لأنَّ السفر هو مظنة المشقة، وهذا هو الذي يقتضي التخفيف، فهذا لا يَرِدُ؛ لأنَّ شريعة الله -سبحانه وتعالى- إنما تؤخذ عن طريق الكتاب والسُّنة، وهذه الشريعة عندما ننظر إلى أصولها نجد أنها بُنيت على التيسير ورفع الحرج، وأنَّ الفقهاء -رحمهم الله- أخذوا من ذلك قاعدة فقهيةً جليلة عنونوها بقولهم: [المشقة تجلب التيسير] (٣). وسنعرض لها -إن شاء الله- في آخر هذه المسألة لأهميتها ولما لها من ارتباطٍ في هذا المقام.

إذًا رأينا من هذا أنَّ الأحاديثَ الصحيحةَ الصريحةَ المستفيضةَ قد ثبت فيها عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قولًا وفعلًا، أنَّه مسح على الخفين في الحضر والسفر.

وجاءت أيضًا: آثار عن الصحابة -رضوان الله عليهم- كلُّها تدلُّ


(١) أخرجه أحمد (٥٨٦٦)، وابن خزيمة في "صحيحه" (٧٣١٢) عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته". وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٥٦٤).
(٢) وفى سنن أبي داود ح ١٥٦ (عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخُفَّيْنِ. فقلت: يا رسول الله أَنَسِيتَ؟ قال: "بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ بِهَذا أَمَرَنِي رَبِّي").
(٣) هذه من القواعد الأصولية المعتبرة، ويعبر عنها أيضًا بقولهم: إذا ضاق الأمر اتسع. انظر: "الأشباه والنظائر" للسبكي (١/ ٤٩)، و"تشنيف المسامع" للزركشي (٣/ ٤٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>