كفى الله الشّريعة شرّ هذه الطّائفة الجامعة بين دهمثة في اللّبس، وطيبة في العيش، وخداع بألفاظ معسولة، ليس تحتها سوى إهمال التّكليف، وهجران الشّرع، ولذلك خفّوا على القلوب، ولا دلالة على أنّهم أرباب باطل، أوضح من محبّة طباع الدّنيا لهم، كمحبّتهم أرباب اللهو والمغنّيات.
قال ابن عقيل: فإن قال قائل: هم أهل النّظافة ومحاريب وحسن سمت وأخلاق. قال:
فقلت لهم: لو لم يضعوا طريقة يجتذبون بها قلوب أمثالكم، لم يدم لهم عيش، والّذي وصفتهم به رهبانيّة النّصرانيّة، ولو رأيت نظافة أهل التّطفيل على الموائد، ومخانيث بغداد، ودماثة المغنّيات - لعلمت أنّ طريقهم طريقة الفكاهة، والخداع، وهل يخدع النّاس إلّا بطريقة أو لسان، فإذا لم يكن للقوم قدم في العلم، ولا طريقة، فبماذا يجتذبون به قلوب أرباب الأموال.
واعلم أنّ حمل التّكليف صعب، ولا أسهل على أهل الخلاعة من مفارقة الجماعة، ولا أصعب عليهم من حجر ومنع صدر عن أوامر الشّرع ونواهيه، وما على الشّريعة أضرّ من المتكلّمين والمتصوّفين، فهؤلاء يفسدون عقائد النّاس بتوهيمات شبهات العقول، وهؤلاء يفسدون الأعمال، ويهدمون قوانين الأديان، ويحبّون البطالات وسماع الأصوات، وما كان السّلف كذلك، بل كانوا في باب العقائد عبيد تسليم، وفي الباب الآخر أرباب جدّ.