مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" ١.
وهذه الأحاديث وغيرها كثير كلها تنهى وتحذر أشد التحذير من الغلو في القبور والتوسل بأهلها، واتخاذها مساجد ومجاوزة الحد المشروع في تعظيمها وتخصيصها بالدعاء، واعتقاد أفضلية شيء من العبادة عندها، واتخاذها أعيادا ورفعها والبناء عليها وتجصيصها واتخاذ السرج عليها، وشد الرحال لزيارتها- عدا ما ورد في الحديث السابق- وكل ما خرج عن الحدّ الشرعي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك كان حرصا منه عليه الصلاة والسلام على عقيدة التوحيد لتبقى طاهرة صافية نقية، وسد كل طرق الشرك أو ذرائعه حتى ولو لم تكن شركا في نفسها، لئلا يمس جانب هذه العقيدة دنس من الشرك، أو بدعة، وعلى الأخص ما يتعلق بالقبور وأهلها فقد اهتم به أعظم اهتمام حتى في اللحظات الأخيرة من حياته عليه الصلاة والسلام، وفي وقت النزع والاحتضار لأن هذا الباب هو الذي دخل منه الشرك على الناس على مدار التاريخ وأخطر معول يهدم بناء التوحيد الذي بناه الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام بوحي من ربهم جل شأنه وتعالى ذكره، وتوحيد العبادة على وجه الخصوص وهو التوحيد الذي كان أول ما دعا غليه الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام أممهم وقامت بينهم الخصومة فيه بل وقد يفضي غلو بعض الناس في القبور وأهلها إلى الإخلال بتوحيد الربوبية والعياذ بالله تعالى.
١ البخاري مع الفتح ٣/٦٣، ومسلم بشرح النووي ٩/١٦٧، ١٦٨.