قَوْلُكُمْ: لَوْ كَانَ ثَمَّ نَصٌّ لَظَهَرَ، وَلَوْ كَانُوا قَائِسِينَ لِتِلْكَ الصُّوَرِ عَلَى غَيْرِهَا ; لَأَظْهَرُوا الْعِلَلَ الْجَامِعَةَ فِيهَا وَصَرَّحُوا بِهَا كَمَا فِي النُّصُوصِ، وَلَوْ أَظْهَرُوهَا وَاحْتَجُّوا بِهَا لَنُقِلَتْ أَيْضًا، فَعَدَمُ نَقْلِهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قِيَاسٌ وَاسْتِنْبَاطٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَدُ إِنَّمَا هُوَ النَّصُّ وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.
وَمَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ التَّصْرِيحِ وَمَعْنَاهُ بِالرَّأْيِ فِي الْوَقَائِعِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا، فَإِنَّ اجْتِهَادَ الرَّأْيِ أَعَمُّ مِنِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْأَعَمِّ وُجُودُ الْأَخَصِّ.
سَلَّمْنَا أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِالْقِيَاسِ، غَيْرَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَمَلَ الْكُلِّ بِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ جَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ لَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِقَوْلِهِمْ.
قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ غَيْرِهِمْ نَكِيرٌ عَلَيْهِمْ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ.
وَبَيَانُ وُجُودِ الْإِنْكَارِ (١) مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْكَلَالَةِ قَالَ: " أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي ".
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ، فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ الدِّينِ أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا ". وَقَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالْمُكَايَلَةَ " فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: " الْمُقَايَسَةُ "، وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ: (اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَاقْضِ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَلَا عَلَيْكَ أَنْ لَا تَقْضِيَ) .
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَنِينِ: (إِنِ اجْتَهَدُوا فَقَدْ أَخْطَئُوا وَإِنْ لَمْ يَجْتَهِدُوا فَقَدْ غَشُّوكَ) .
(١) انْظُرْ آثَارَ الْإِنْكَارِ وَالْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الْجُزْءِ الثَّامِنِ فِي إِبْطَالِ الْقِيَاسِ مِنْ كِتَابِ الْإِحْكَامِ لِابْنِ حَزْمٍ وَفِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ لِابْنِ الْقَيِّمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute