لما ولى عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف العراق، اتصل به سرفه في القتل، وأنه أعطى أصحابه الأموال، فكتب إليه عبد الملك.
أما بعد: فقد بلغني سرفك في الدماء، وتبذيرك الأموال، وهذا لا أحتمله لأحد من الناس، وقد حكمت فيك في القتل في العمد بالقود (١)، وفي الخطأ بالدية، وأن ترد الأموال الى مواضعها، فإنما المال مال الله عز وجل، ونحن خزانه، وسيان منع حق وإعطاء باطل فلا يؤمننك إلا الطاعة ولا يخيفنك الا المعصية، وكتب في أسفل الكتاب:
إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها … وتطلب رضاي في الذي أنت طالبه
وتخشى الذي يخشاه مثلك هاربا … الى الله منه ضيّع الدر جالبه
فإن تر مني غفلة قرشية فيا … ربما قد غص بالماء شاربه (٣٣ - ظ)
وإن تر مني وثبة أموية فهذا … وهذا كله أنا صاحبه
فلا تعد ما يأتيك مني فإن تعد … تقم فاعلمن يوما عليك نواد به
فلما ورد الكتاب على الحجاج وقرأه، كتب جوابه.
أما بعد: فقد جاءني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه سرفي في الدماء، وتبذيري الأموال، فو الله ما بالغت في عقوبة أهل المعصية، ولا قضيت حق أهل الطاعة، فإن يكن قتلي للعصاة سرفا وإعطائي أهل الطاعة تبذيرا، فليمض لي أمير المؤمنين ما سلف، وليحدد لي أمير المؤمنين فيما يحدث حدا أنتهي إليه ولا أتجاوزه، وكتب في أسفل الكتاب:
إذا أنا لم أطلب رضاك وأتقي … أذاك فيومي لا توارت كواكبه
إذا قارف الحجاج فيك خطيئة … فقامت عليه في الصباح نواد به
أسالم من سالمت من ذي هوادة … ومن لم تسالمه فإني محاربه
(١) -القود: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل. النهاية لابن الاثير.