كتاب إنباه الرواة على أنباه النحاة

على النّضر بن شميل البصرىّ بالبصرة، فخرج يريد خراسان، فشيّعه من البصرة نحو من ثلاثة آلاف رجل؛ ما فيهم إلا محدّث أو نحوىّ أو لغوىّ أو عروضىّ أو أخبارىّ؛ فلما صار بالمربد [١] جلس فقال: يا أهل البصرة، يعزّ علىّ مفارقتكم، والله لو وجدت كلّ يوم كيلجة [٢] باقّلا ما فارقتكم؛ قال: فلم يكن فيهم أحد يتكفّل له بذلك، وسار حتى وصل خراسان، فأفاد مالا عظيما».

وقال النّضر: دخلت يوما على المأمون، وعلىّ إزار مرقوع، فقال: يا نضر، ما هذا التقشّف؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ وحرّ مرو كما ترى، فأحببت أن أتبرّد بهذى الخلقان؛ فجرى بنا الحديث فى ذكر النساء، فقال المأمون: حدّثنا هشيم بن بشير [٣] قال: حدثنا مجالد [٤] عن الشعبىّ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما رجل تزوّج امرأة لدينها وجمالها كان فى ذلك سداد من عوز [٥]». قلت يا أمير المؤمنين، صدق هشيم؛ حدثنا عوف ابن أبى جميلة [٦] الأعرابىّ

[١] المربد: من أشهر محال البصرة، وكان سوقا للإبل، ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس، وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء. (ياقوت).
[٢] كيلجة؛ ذكرها الجواليقى فى المعرب ص ٢٩٢ وقال: «قال الأصمعىّ: تقول العرب: كيلجة وكيلكة وكيلقة وقيلقة؛ والجمع كيالج؛ وقد أدخلوا الهاء فى الجمع أيضا». وفسرها صاحب المصباح بأنها كيل معروف لأهل العراق ثم قال: «وهى منا وسبعة أثمان منا، والمنا: رطلان».
[٣] هو هشيم بن بشير بن القاسم السلمىّ، ولد سنة ١٠٤، وتوفى سنة ١٨٣. (تهذيب التهذيب ١١: ٣٩).
[٤] هو مجالد بن سعيد بن عمير أبو عمرو الكوفى، روى عن الشعبى وغيره، ومات سنة ١٤٤.
(تهذيب التهذيب ١٠: ٣٩).
[٥] العوز: الفقر وسوء الحال.
[٦] هو عوف بن أبى جميلة أبو سهل البصرى المعروف بالأعرابىّ؛ مات سنة ١٤٦. (تهذيب التهذيب ٨: ١٦٦).