للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مِنْ أَصْلِهِ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الدَّيْنَوَرِيُّ الْمُفَسِّرُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيَنْ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّمْشَاطِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ الْمِصْرِيَّ يَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا مَلَأَ قُلُوبَهُمْ مِنْ صَفَاءِ مَحْضِ مَحَبَّتِهِ وَهَيَّجَ أَرْوَاحَهُمْ بِالشَّوْقِ إِلَى رُؤْيَتِهِ فَسُبْحَانَ مَنْ شَوَّقَ إِلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ، وَأَدْنَى مِنْهُ هِمَمَهُمْ وَصَفَتْ لَهُ صُدُورَهُمْ، سُبْحَانَ مُوَفِّقِهِمْ وَمُؤْنِسِ وَحْشَتِهِمْ وَطَبِيبِ أَسْقَامِهِمْ، إِلَهِي لَكَ تَوَاضَعَتْ أَبْدَانُهُمْ مِنْكَ إِلَى الزِّيَادَةِ، انْبَسَطَتْ أَيْدِيهِمْ مَا طَيَّبْتَ بِهِ عَيْشَهُمْ، وَأَدَمْتَ بِهِ نَعِيمَهُمْ، فَأَذَقْتَهُمْ مِنْ حَلَاوَةِ الْفَهْمِ عَنْكَ، فَفَتَحْتَ لَهُمْ أَبْوَابَ سَمَوَاتِكَ، وَأَنْحَنْتَ لَهُمُ الْجَوَازَ فِي مَلَكُوتِكَ، بِكَ أَنِسَتْ مَحَبَّةُ الْمُحِبِّينَ، وَعَلَيْكَ مُعَوَّلُ وَشَوْقُ الْمُشْتَاقِينَ وَإِلَيْكَ حَنَّتْ قُلُوبُ الْعَارِفِينَ، وَبِكَ آسَتْ قُلُوبُ الصَّادِقِينَ، وَعَلَيْكَ عَكَفَتْ رَهْبَةُ الْخَائِفِينَ، وَبِكَ اسْتَجَارَتْ أَفْئِدَةُ الْمُقَصِّرِينَ، قَدْ بُسِطَتِ الرَّاحَةُ مِنْ فُتُورِهِمْ، وَقَلَّ طَمَعُ الْغَفَلَةِ فِيهِمْ لَا يَسْكُنُونَ إِلَى مُحَادَثَةِ الْفِكْرَةِ فِيمَا لَا يُعْنِيهِمْ وَلَا يَفْتُرُونَ عَنِ التَّعَبِ وَالسَّهَرِ يُنَاجُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ بِمَسْكَنَتِهِمْ يَسْأَلُونَهُ الْعَفْوَ عَنْ زَلَّاتِهِمْ وَالصَّفْحَ عَمَّا وَقَعَ الْخَطَأُ بِهِ فِي أَعْمَالِهِمْ فَهُمُ الَّذِينَ ذَابَتْ قُلُوبُهُمْ بِفِكْرِ الْأَحْزَانِ وَخَدَمُوهُ خِدْمَةَ الْأَبْرَارِ الَّذِيِنَ تَدَفَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِبِرِّهِ وَعَامَلُوهُ بِخَالِصٍ مِنْ سِرِّهِ حَتَّى خَفِيَتْ أَعْمَالُهُمْ عَنِ الْحَفَظَةِ فَوَقَعَ بِهِمْ مَا أَمَّلُوا مِنْ عَفْوِهِ وَوَصَلُوا بِهَا إِلَى مَا أَرَادُوا مِنْ مَحَبَّتِهِ فَهُمْ وَاللَّهِ الزُّهَّادُ وَالسَّادَةُ مِنَ الْعُبَّادِ الَّذِينَ حَمَلُوا أَثْقَالَ الزَّمَانِ فَلَمْ يَأْلَمُوا بِحَمْلِهَا، وَقَفُوا فِي مَوَاطِنِ الِامْتِحَانِ فَلَمْ تَزُلْ أَقْدَامُهُمْ عَنْ مَوَاضِعِهَا حَتَّى مَالَ بِهِمُ ⦗٣٤٠⦘ الدَّهْرُ وَهَانَتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ وَذَهَبُوا بِالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ عَنِ الدُّنْيَاَ، إِلَهِي فِيكَ نَالُوا مَا أَمَّلُوا كُنْتَ لَهُمْ سَيِّدِي مُؤَيِّدًا وَلِعُقُولِهِمْ مُؤَدِّيَا حَتَّى أَوْصَلْتَهُمْ أَنْتَ إِلَى مَقَامِ الصَّادِقِينَ فِي عَمَلِكَ وَإِلَى مَنَازِلِ الْمُخْلِصِينَ فِي مَعْرِفَتِكَ فَهُمْ إِلَى مَا عِنْدَ سَيِّدِهِمْ مُتَطَلِّعُونَ وَإِلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ وَعِيدِهِ نَاظِرُونَ ذَهَبَتِ الْأَلَامُ عَنْ أَبْدَانِهِمْ لَمَّا أَذَاقَهُمْ مِنْ حَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ وَلَمَّا أَفَادَهُمْ مِنْ ظَرَائِفِ الْفَوَائِدِ مْنِ عِنْدِهِ فَيَا حُسْنَهُمْ وَاللَّيْلُ قَدْ أَقْبَلَ بَحَنَادِسِ ظُلْمَتِهِ وَهَدَأَتْ عَنْهُمْ أَصْوَاتُ خَلِيقَتِهِ وَقَدِمُوا إِلَى سَيِّدِهِمُ الَّذِي لَهُ يَأْمَلُونَ فَلَوْ رَأَيْتَ أَيُّهَا الْبَطَّالُ أَحَدَهُمْ وَقَدْ قَامَ إِلَى صَلَاتِهِ وَقِرَاءَتِهِ فَلَمَّا وَقَفَ فِي مِحْرَابِهِ وَاسْتَفْتَحَ كَلَامَ سَيِّدِهِ خَطَرَ عَلَى قَلْبِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَقَامَ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَانْخَلَعَ قَلْبُهُ وَذَهَلَ عَقْلُهُ فَقُلُوبُهُمْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ مُعَلَّقَةٌ وَأَبْدَانُهُمْ بَيْنِ أَيْدِي الْخَلَائِقِِ عَارِيَةٌ وَهُمُومُهُمْ بِالْفِكْرِ دَائِمَةٌ، فَمَا ظَنُّكَ بِأَقْوَامٍ أَخْيَارٍ أَبْرَارٍ وَقَدْ خَرَجُوا مِنْ رِقِّ الْغَفْلَةِ وَاسْتَرَاحُوا مِنْ وَثَائِقِ الْفَتْرَةِ وَأَنِسُوا بِيَقِينِ الْمَعْرِفَةِ وَسَكَنُوا إِلَى رَوْحِ الْجِهَادِ وَالْمُرَاقَبَةِ، بَلَّغَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>