بقرة لم يكن في محلته سواها، وزودهم بكثير من الرماح والقسي والسهام، والسلاح، وأمر بأن يمدهم سائر الجند بالقمح والشعير صدقة لهم، وتنافس الأكابر والأشياخ في تزويدهم بمختلف الأعطية والصلات.
وفي اليوم التالي أمر الخليفة بحصد الزروع، التي للنصارى في تلك المنطقة وسوقها، ولكنهم التقوا بعدد كبير من النصارى على مقربة من قونقة، وسرت الإشاعة بأنهم طلائع جيش ألفونسو الثامن والكونت نونيو دي لارا، فلما علم الخليفة بذلك، أمر بالإقلاع فوراً من ذلك الموضع، والسير إلى وادي شُقر، وأمر الناس بالرحيل، فكان هرج شديد مقرون بالفزع كذلك الذي حدث يوم الإقلاع من وبذة، وعبر الجيش الموحدي نهر شُقر، ونزل بالجبل المتصل بمدينة قونقة لحصانته، وسرعان ما وصلت قوات النصارى، وعسكرت في في جبل تونيس، في الناحية المقابلة من النهر، وصار كل من الجيشين تجاه الآخر دون أن تتاح لأحدهما فرصة الاشتباك، وقضى الموحدون ليلتهم على حذر، وفي صباح اليوم التالي، عقد الخليفة مؤتمراً من الأشياخ واستقر الرأي على أن يقاتل الموحدون النصارى في الغد. ولكن العرب اعترضوا " وجبنوا عن اللقاء " واحتجوا بضيق ساحة القتال. وانضم أهل الأندلس بقيادة أبي العلاء ابن عزون للموحدين في نية القتال، وفي الغد خرجت قوة منازلة بقيادة أبي العلاء واشتبكت مع النصارى في عدة مناوشات لتختبر قوتهم. وفي اليوم التالي تأهب الموحدون لخوض المعركة، وخرج أبو العلاء في بعض قواته ليستطلع أمر العدو، ولكنه عاد مع جنده، وأعلن أن النصارى أقلعوا عن محلتهم منصرفين إلى بلادهم. فعندئذ أمر الخليفة باستئناف الرحيل، وسار الجيش الموحدي حتى وصل إلى جبل " الصومعة " Alminar على بعد عشرة أميال من قونقة، وقضى به الليل، وفي اليوم التالي استأنف سيره حتى وصل إلى وادي تامطة، وقد ظهر الإعياء على الناس، وقلت الأقوات، وارتفعت الأسعار، ثم وصل إلى وادي برج قُبالة في طريق مدينة بلنسية، وقد نفق كثير من الدواب، وبرح الجوع بالناس، ومات الكثير منهم. وفي اليوم التاسع من ذي الحجة عبر الموحدون الربوة العالية المسماة بعقبة الأبالس، ووصلوا بعد جهد شاق إلى قنطرة " أغربالة "(١) وقد اشتد الإعياء بالناس من الضعف والجوع، ونفق كثير من الخيل والبغال والجمال.