للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسباط عقاباً لهم. وفي صباح يوم الخميس، أمرت الفرق المختلفة، أن يخرج من كل ثلثها للبحث عن الأقوات والعلوفات، واجتمع أولئك الجند تحت إمرة الحافظ أبي محمد عبد الله بن أبي تفريجين، وإبراهيم بن همشك، ولكن هذه الحملة فشلت في مهمتها، فلم تجمع شيئاً من المؤن والعلف، فارتفعت الأسعار في المعسكر الموحدي، وكاد أن ينعدم فيه القوت.

هذه الأحداث المكدرة المثبطة للهمم، حملت الشيخ أبا محمد عبد الواحد ابن عمر، أن يدعو الناس، وأن يخطب فيهم، تارة بالعربية، وأخرى بالبربرية، يعظهم، ويستنهض هممهم للجهاد، وكان مما قاله لهم: " قد كنتم بمراكش تقولون لو كنا غزونا النصارى لجاهدنا لله واجتهدنا، فلما حضرتم معهم، قصرتم وجبنتم وحنثتم الله عز وجل، ونكلتم وما نصحتم، ما أنتم بمؤمنين ولا موحدين، أن تسمعوا النواقيس تضرب، وتعاينوا الكفر، ولا تدفعوا المنكر. إن أمير المؤمنين ليس يقدر أن يراكم لتفريطكم في حق الله تعالى من الجهاد على كثرتكم من الأعداء " (١).

وبذلت عندئذ محاولة يائسة لحمل القشتاليين على التسليم بالأمان، فوُجه عبد الرحمن بن أبي مروان بن سعيد الغرناطى، إلى قائد وبذة وهو ولد الكونت مانريكى دى لارا (٢)، يقول له إنهم على استعداد لتحقيق رغبته في تسليم المدينة بالأمان، وكرر هذا المسعى مرتين في نفس اليوم، فرفض قائد القشتاليين هذا العرض بجفاء، لما رآه من اختلال أحوال الموحدين، ولما علمه من استعداد ألفونسو الثامن لإنجاده بحشوده. ولما وقف الخليفة على ذلك استدعى سائر الأشياخ من الموحدين والعرب إلى خيمته - القبة الحمراء - للبحث فيما يجب عمله، وفي نفس الليلة - ليلة الأحد التاسع والعشرين من ذي القعدة - أمر بحرق البرج المصنوع لقتال النصارى وسائر الآلات التي صنعت معه، وبأن يقوم مقدم الدواب بشحن النواقيس التي أخذت من الكنيسة من وبذة. وفي الصباح ضرب الطبل الكبير إيذاناً للناس بالرحيل، فساد الاضطراب والهرج في المعسكر الموحدي، فلما رأى القشتاليون ذلك، وأيقنوا أن الموحدين قد بدأوا في الانسحاب، خرجوا في قواتهم من الفرسان والرجالة، ونزلوا إلى الوادي، وهاجموا الموحدين وأشعلوا النار في البيوت والخيام، ووصلوا إلى السوق بقرب المحلة، وقتلوا


(١) ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة لوحة ١٨٠ أ.
(٢) ويسميه ابن صاحب الصلاة "ولد مرنو".

<<  <  ج: ص:  >  >>