للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفكر يوسف عندئذ أن يختط لنفسه محلة، تكون قاعدة لجيوشه، ومستودعاً لذخائره، ووقع اختياره في ذلك على أرض تقع شمال غربي مدينة أغمات، وكانت لبعض المصامدة، فاشتراها يوسف واختط بها قصبة ومسجداً، وكان يعمل في بناء المسجد بنفسه مع الفعلة، فكان ذلك مولد مدينة مَرَّاكُش الشهيرة (سنة ٤٥٤ هـ - ١٠٦٢ م). وكان هذا الاسم يطلق على هذا المكان، ومعناه بلغة المصامدة، " إمش مسرعاً ". إذ كان مأوى اللصوص وقطاع الطريق. واختار يوسف أن تكون قاعدته في قلب بلاد المصامدة، إذ كانوا أشد قبائل المغرب قوة وأكثرهم جمعاً، وكانوا قوام جيوشه، ومن جهة أخرى فقد كانت القاعدة الجديدة تقع في حمى جبل درن من شعب الأطلس. ونزل يوسف في محلته بالخيام أولا ودون أن تبنى أسوارها، ثم أقيمت بها القصور والأبنية فيما بعد، واختط بها الناس وحفرت بها الآبار، على أن مراكش لم يكمل بناؤها وتتسع رقعتها، ويقام سورها العظيم، إلا في عهد على بن تاشفين ولد يوسف، وذلك في سنة ٥٢٦ هـ. وقد كان القسم الذي أنشأه يوسف من مدينة مراكش العظيمة، يشمل القسم الذي يعرف بسور الحجر فيما بينه وبين جامع الكتبيين، وهو الذي يعرف اليوم بالسجينة. وقد غدت مراكش في فترة يسيرة من أعظم المدن المغربية وأجلها، وغدت من ذلك التاريخ، قاعدة الدول المغربية العظيمة، ما عدا دولة بني مرين، ولعبت في تاريخ المغرب أعظم دور. وما زالت تحتفظ حتى اليوم بكثير من روعتها وجلالها القديم (١).

وعمل يوسف في ذلك الحين على تقوية جيشه وحرسه، فاقتنى من العبيد نحو ألفين، وبعث إلى الأندلس فاشترى عدداً كبيراً من العلوج والأرقاء النصارى، وأنشأ منهم فرقة قوية من الفرسان برسم حرسه وحجابته، واشتهرت فيما بعد ببلائها في مواقع كثيرة، واستعان يوسف على نفقاته العسكرية بما فرضه يومئذ على اليهود من ضرائب فادحة اجتمع له منها مال كثير (٢).

وما كاد يوسف ينتهي من إنشاء حاضرته، وتنظيم جيشه. حتى تأهب لفتح مدينة فاس عاصمة المغرب القديمة، وأعظم مدائنه يومئذ. وكانت الجيوش


(١) راجع في إنشاء مراكش: روض القرطاس ص ٨٩، وابن خلدون ج ٦ ص ١٨٤، والاستقصاء ج ١ ص ١٠٧. وراجع ياقوت في معجم البلدان تحت كلمة مراكش.
(٢) الحلل الموشية ص ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>