للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن {لا إله إلا الله} وحده لا شريكَ له، الأحد الصَّمَد، الذي لم يَلد ولم يُولد، ولم يكن له كُفُوًا أحد» (١).

فمن المتصوفة مَنْ اعتبروا توحيد العِبادة الذي هو توحيد الرُّسُل هو توحيدُ العَوَام، وجعلوه في المنزلة الدُّنيا، وجعلوا توحيد الربوبية فوق توحيد العبادة، ولذلك جعلوا توحيد الخاصَّة هو شهود الربوبية، والفناء بشهوده عن مشهوده، وبوجوده عن موجوده، بمعنى: أنهم حصروا هذا المقام من التوحيد في شهود مقام الربوبية.

وتوحيد خاصَّة الخاصة عندهم هو توحيد أهل وحدة الوجود، الذين يقولون: إنَّه ما ثَمَّت خالق ولا مخلوق، ولا عابد ولا معبود، وإنَّ الوجود كله واحد.

فإذًا كلٌّ من الفريقين (أهل الكلام والمتصوفة) لم يُقم وزنًا لتوحيد العبادة، ولم يُلق له بالًا، ولم يُعطه اهتمامًا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العَبْد يُرَاد بِهِ المعبَّد الَّذِي عبَّده الله، فذلَّلَه ودبَّره وصرَّفه.

وَبِهَذَا الِاعْتِبَار: فالمخَلوقون كلهم عباد الله: الْأَبْرَار مِنْهُم والفجار، والمؤمنون وَالكفَّار، وَأهل الجَنَّة وَأهل النَّار؛ إِذْ هُوَ رَبُّهم كلهم ومليكُهم، لَا يخرجُون عَنْ مَشِيئَته وَقُدرته، وكلماته التَّامَّات الَّتِي لَا يُجاوزهن بَرٌّ وَلَا فَاجر؛ فَمَا شَاءَ كَانَ وَإِنْ لم يشاءوا. وَمَا شَاءُوا إِنْ لم يشأه لم يكن، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أفغير دين الله يَبْغُونَ وَله أسلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها وَإِلَيْهِ يرجعُونَ} [آل عمران الآية: ٨٣]. فَهُوَ سُبْحَانَهُ ربُّ الْعَالمين، وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومُميتهم، ومقلب قُلُوبهم ومصرف أُمُورهم، لَا ربَّ لَهُمْ غَيره، وَلَا مَالك لَهُمْ سواهُ، وَلَا خَالق لَهُمْ إِلَّا هُوَ؛ سَوَاء اعْتَرَفُوا بذلك أَوْ أنكروه، وَسَوَاء علمُوا ذَلِك أَوْ جهلوه؛ لَكِن أهل الْإِيمَان


(١) «منازل السائرين» لأبي إسماعيل الهروي (١٣٥ - ١٣٨)، دار الكتب العلمية- بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>