للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يعقل، ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن، ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر، ولا يتميز منه شيء عن شيء، بحيث يمكن أن لا يرى، ولا يدرك، ولا يحاط به، وإن سماه المسمى جسماً، وأيضاً فإن التوحيد إثبات لشيء واحد، فلابد أن يكون له في نفسه حقيقة ثبوتية يختص بها، ويتميز بها عما سواه، حتى يصح أنه ليس كمثله شيء في تلك الأمور الثبوتية، ومجرد عدم المثل إذا لم يفد ثبوت أمر وجودي كان صفة للعدم، فنفي المثل والشريك يقتضي ما هو على حقيقة يستحق بها واحداً" (١)، فهؤلاء ظنوا أن ما يتصورونه في أذهانهم موجود في الخارج، وهذا من الأخطاء الكبرى التي وقع فيها أهل الكلام، والتصوف، والفلسفة، ونبه شيخ الإسلام عليها كثيراً، مثل قول غلاة الصوفية إن الوجود واحد، وإن وجود الله هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، ومثل قول الفلاسفة، بالجواهر، والمجردات العقلية، حيث يزعمون أن الحقائق الموجودة في الخارج كالإنسان، والفرس، مكونة من المادة الكلية، والصورة الجوهرية، ويزعمون أنهما جوهران عقليان، وهذا كله في الذهن، لأن الموجود لا يوجد إلا معيناً، فيقال وجود الواجب، وهو الله، ووجود الممكن، كفلان وفلان، وكذلك هذه العقليات المجردة إنما تتصور في الأذهان، أما في الحقيقة والواقع فليس إلا الموجودات بأعيانها" (٢).

كما أن قول هؤلاء معارض للشرع، يقول شيخ الإسلام في بيان بطلان قولهم لغة، وعقلاً، وشرعاً: "وأما الشرع فنقول: مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن، والسنة، وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم تعرف مسميات تلك الأسماء، حتى يعطوها حقها، ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد في كلام الله لم


(١) ((نقض التأسيس)) - المطبوع - (١/ ٤٨٣).
(٢) انظر: ((درء التعارض)) (٧/ ١٢٤ - ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>